مملكة غرناطة


مملكة غرناطة
مملكة غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس

كان الخلاف بين أبناء الأندلس في تلك الآونة العصيبة يذهب إلى حدِّ التضحية بأقدس المبادئ وأسمى الاعتبارات، وكانت وشائج القومية والدين والخطر المشترك كلها تغيض أمام الأطماع الشخصية الوضيعة، ففي العام نفسه الذي سقطت فيه جيان بعد حروب غير مؤثرة بين المسلمين والنصارى، وفي سنة (643هـ=1245م) وحماية لحقوق وواجبات مملكة قشتالة النصرانية وولاية غرناطة الإسلامية، يأتي فرناندو الثالث ملك قشتالة ويعاهد ابن الأحمر الذي يتزعم ولاية غرناطة، ويعقد معه معاهدة يضمن له فيها بعض الحقوق ويأخذ عليه بعض الشروط والواجبات[1].

أبو عبد الله محمد بن الأحمر
وقبل أن نتحدث عن بنود هذه الاتفاقية وتلك المعاهدة، نتعرف أولاً على أحد طرفي هذه المعاهدة وهو ابن الأحمر، فهو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر، والذي ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الخزرجي صاحب رسول الله  [2]، لكن شتَّان بين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا، وبين سعد بن عبادة الخزرجي! وقد سُمِّي بابن الأحمر ولم يكن هذا اسمًا له، بل لقبًا له ولأبنائه من بعده حتى نهاية حكم المسلمين في غرناطة.
معاهدة العار بين ابن الأحمر وملك قشتالة
وكانت بنود المعاهدة التي تمت بين ملك قشتالة وبين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا هي:
دفع الجزية سنويا
يدفع ابن الأحمر الجزية إلى ملك قشتالة، وكانت مائة وخمسين ألف دينار من الذهب سنويًّا[3]، وكان هذا تجسيدًا لحال الأمة الإسلامية، وتعبيرًا عن مدى التهاوي والسقوط الذريع بعد أفول نجم دولة الموحدين القوية المهيبة، والتي كانت قد فرضت سيطرتها على أطراف كثيرة من بلاد الأندلس وإفريقيا.
تبعية غرناطة لقشتالة
أن يحضر اجتماع مجلس قشتالة النيابي (الكورتيس)، باعتباره من الأمراء التابعين للعرش[4]، وفي هذا تكون غرناطة تابعة لقشتالة ضمنيًّا.
تحكم غرناطة باسم ملك قشتالة
أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علانية؛ وبهذا يكون ملك قشتالة قد أتم وضمن تبعية غرناطة له تمامًا[5].
تسليم حصون جيان
أن يسلمه ما بقي من حصون جيان- المدينة التي سقطت أخيرًا-  وأرجونة وغرب الجزيرة الخضراء حتى طرف الغار، وبذلك يكون ابن الأحمر قد سلم لفرناندو الثالث ملك قشتالة مواقع في غاية الأهمية تحيط بغرناطة نفسها[6].
تبعية غرناطة لقشتالة عسكريا
وهو أمر في غاية الخطورة، وهو أن يساعده في حروبه ضد أعدائه إذا احتاج إلى ذلك؛ أي أن ابن الأحمر يشترك مع ملك قشتالة في حروب ملك قشتالة التي يخوضها أيًّا كانت الدولة التي يحاربها[7].
مملكة غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس
غرناطة ولماذا يعاهدها ملك قشتالة؟

لم تكن غرناطة -في سنة (646هـ= 1248م)- تمثل أكثر من 15٪ وهي تضم ثلاث ولايات متحدة؛ هي: ولاية غرناطة، وولاية مالقة، وولاية ألمرية، ثلاث ولايات تقع تحت حكم ابن الأحمر، وإن كان هناك شيء من الاستقلال داخل كل ولاية.
ولنا أن نتساءل ونتعجب: لماذا يعقد فرناندو الثالث اتفاقية ومعاهدة مع هذه المملكة التي أصبح القضاء عليها ميسورًا؟! لماذا لم يأكل غرناطة كما أكل غيرها من بلاد المسلمين ودون عهود أو اتفاقيات؟!
والواقع أن ذلك كان للأمور التالية:
الكثافة السكانية في غرناطة
كانت بغرناطة كثافة سكانية عالية؛ وهذا ما جعل من دخول جيوش النصارى إليها من الصعوبة بمكان، وقد كان من أسباب هذه الكثافة العالية أنه لما كانت تسقط مدينة من مدن المسلمين في أيدي النصارى كان النصارى -كما ذكرنا- ينتهجون نهجًا واحدًا، وهو إما القتل أو التشريد والطرد من البلاد.
فكان كلما طُرد رجل من بلاده عمَّق واتجه ناحية الجنوب، فتجمَّع كل المسلمين الذين سقطت مدنهم في أيدي النصارى في منطقة غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد[8]، فأصبحت ذات كثافة سكانية ضخمة، وهذا ما يصعب معه دخول قوات النصارى إليها.
حصون غرناطة المنيعة
كانت غرناطة ذات حصون كثيرة ومنيعة جدًّا، نشأت هذه الحصون كسبب طبيعي من جراء الحروب المتواصلة قديمًا، والتهديد المرتقب بالفناء على يد النصارى، هذه الحصون والأسوار هي نفسها التي جعلت غرناطة مملكة قوية، بل وقد نقول: إنها قد حددت حدودها، وكانت هذه الحصون تحيط بغرناطة وألمرية ومالقة[9].
ومن هنا وافق فرناندو الثالث على عقد مثل هذه المعاهدة، وإن كانت كما رأينا معاهدة جائرة ومخزية، يدفع فيها ابن الأحمر الجزية، ويحارب بمقتضاها مع ملك قشتالة، ويتعهد فيها بألا يحاربه في يوم ما.

[1] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 7/41، 42.
[2] ابن الخطيب: الإحاطة، 2/92.
[3]  محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/42.
[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/43. مع ملاحظة أن النظام السائد في الممالك النصرانية حتى ذلك الوقت هو النظام الإقطاعي الذي يتمتع فيه الأمراء أصحاب الإقطاعيات بنفوذ واستقلال كبير في حدود إقطاعياتهم على أن يكون من واجباتهم إمداد الدولة بالأموال والضرائب، وأن تكون أموالهم وقواتهم في خدمة العرش حال احتياج المملكة إليهم.
[5] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/42.
[6] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص68، وتاريخ ابن خلدون، 7/190.
[7] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/42.
[8] انظر: تاريخ ابن خلدون، 4/171.
[9] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 7/443، 444.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
طريق المسلم © 2012 | الى الأعلى | تعريب وتطوير |