علماء المسلمين في غرناطة


الشريف الإدريسي (493-560 هـ= 1100-1165م)
علماء المسلمين

هو محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الإدريسي الحسني الطالبي، مؤرخ، من أكابر العلماء بالجغرافية، ولد في سبتة ونشأ وتعلم بقرطبة، ويعتبر الشريف الإدريسي- بحق- عمدة الجغرافيين المسلمين، فقد ترك لنا موسوعة جغرافية عظيمة هي كتابه الرائع: «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق».

قام برحلات عديدة وتجوَّل في شبه الجزيرة الإسبانية، كما وصل إلى شواطئ فرنسا وإنجلترا الجنوبية، بعدها عبر البحر إلى المغرب وتجول في شماله وجنوبه، وعاش حينًا في مراكش، وحينًا آخر في قسنطينة[1]، ثم رحل إلى المشرق وتجوَّل في آسيا الصغرى، وكان لهذه الرحلات أكبر الأثر في تكوين معلوماته الجغرافية، التي مهدت لوضع مؤلفه الجغرافي الكبير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق».
انتهى المطاف بالإدريسي في جزيرة صقلية، وهناك استقبله ملكها «روجر الثاني» في بلاطه وأغدق عليه وكفله بالرعاية، حيث كان يسبق وصول الإدريسي إلى صقلِّية صيته كرحالة وكعالم جغرافي فذٍّ، وفي صقلية صمم الإدريسي خريطة للعالم هي الأدق والأفضل حتى وقت قريب.
ثم وضع مؤلفًا جغرافيًّا عامًّا يستعرض فيه العالم المعروف في ذلك الوقت، وتوصف فيه أحوال البلاد والأرضين وأماكنها، وصورها، وبحارها وجبالها، ومزروعاتها وعللها، وما يذكر عنها من العجائب، مع ذكر أحوال أهلها وهيئاتهم ومذاهبهم، وأزيائهم ولغاتهم، وقد استغرق فيه خمسة عشر عامًا، وانتهى من وضعه سنة (549هـ= 1154م).
نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
وعن كتابه: «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» قال عنه الزركلي: وهو أصح كتاب ألفه العرب في وصف بلادأوربا وإيطاليا، وكل من كتب عن الغرب من علماء العرب أخذ عنه[2]. وقالت عنه دائرة المعارف الفرنسية: إن كتاب الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وإن ما يحتويه من تحديد للمسافات ووصف دقيق يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى.
وله أيضًا: الجامع لصفات أشتات النبات (في علم النبات[3])، وروض الأنس ونزهة النفس، وأنس المهج وروض الفرج، وهذا بخلاف الكرة الفضية المرسوم عليها خريطة العالم.
توفي الإدريسي سنة (560هـ= 1165م).
لسان الدين بن الخطيب (713-776هـ=1313-1374م)
هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني، وزير مؤرخ أديب نبيل، كان أسلافه يُعرفون ببني الوزير، وُلِدَ ونشأ بغرناطة، استوزره سلطان غرناطة أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل (سنة 733هـ) ثم ابنه (الغني بالله) محمد من بعده، وعظمت مكانته، ولكنه شعر بسعي حاسديه في الوشاية به، فكاتب السلطان عبد العزيز بن علي المريني برغبته في الرحلة إليه.
وترك الأندلس خلسة إلى تلمسان، وكان السلطان عبد العزيز بها، فبالغ في إكرامه، وأرسل سفيرًا من لدنه إلى غرناطة بطلب أهله وولده، فجاءوه مكرمين، واستقر بفاس القديمة، قال عنه المقري: الوزير، الشهير الكبير، لسان الدين الطائر الصيت في المغرب والمشرق المزري، عرف الثناء عليه بالعنبر والعبير، المثل المضروب في الكتابة والشعر والطب ومعرفة العلوم على اختلاف أنواعها، ومصنفاته تخبر عن ذلك، ولا ينبئك مثل خبير، علم الرؤساء الأعلام، الوزير الشهير الذي خدمته السيوف والأقلام، وغني بمشهور ذكره عن مسطور التعريف والإعلام، واعترف له بالفضل أصحاب العقول الراجحة والأحلام.
محنة ابن الخطيب
لما مات عبد العزيز، وخلفه ابنه السعيد بالله، ثم خلع وتولى المغرب السلطان (المستنصر) أحمد بن إبراهيم، وقد ساعده (الغني بالله) صاحب غرناطة مشترطًا عليه شروطًا؛ منها: تسليمه (ابن الخطيب)، فقبض عليه المستنصر، وكتب بذلك إلى الغني بالله، فأرسل وزيره ابن زمرك إلى فاس، فعقد بها مجلس الشورى، وأحضر ابن الخطيب، فوُجهت إليه تهمتا الزندقة، وسلوك مذهب الفلاسفة، وأفتى بعض الفقهاء بقتله، فأعيد إلى السجن، ثم دَسَّ له رئيس الشورى سليمان بن داود بعض الأوغاد -كما يقول المؤرخ السلاوي- من حاشيته، فدخلوا عليه السجن ليلاً، وخنقوه، وذلك في سنة (776هـ= 1374م)، ثم دفن ابن الخطيب في مقبرة (باب المحروق) بفاس.
ألَّف ابن الخطيب الكثير من الكتب القيمة التي تُعَدُّ مرجعًا خالدًا؛ منها: الإحاطة في أخبار غرناطة،  الإعلام في منْ بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، واللمحة البدرية في الدولة النصرية، ورقم الحلل في نظم الدول، وأعمال الأعلام، ومقنعة السائل عن المرض الهائل، روضة التعريف بالحب الشريف، وعمل من طب لمن أحب، والتاج المحلى في مساجلة القدح المعلى، والوصول لحفظ الصحة في الفصول، ومعيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، والكتيبة الكامنة، وخطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف، ودرة التنزيل.. وغيرها من المؤلفات الجيدة[4]. 
ابن بطوطة (703-779هـ= 1304-1377م)
هو الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة، وُلِدَ في طنجة، عام (703هـ= 1304م)، ينتمي إلى قبيلة «لواتة»، وهي قبيلة بربرية كبيرة، كانت بطونها تنتشر على طول الساحل الإفريقي الشمالي من المحيط إلى ليبيا.
رحلات ابن بطوطة
يُعدُّ ابن بطوطة أشهر رحالة عربي، بل سيد رحالة القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي دون منازع؛ حيث إنه قضى 28 عامًا متنقلاً أو مرتحلاً في أجزاء العالم المعروف في أيامه، وقد بدأ رحلته التي استغرقت كل هذه السنين من موطنه في طنجة مجتازًا ساحل شمال إفريقيا، حتى وصل إلى مصر، ومنها إلى جزيرة العرب، ثم الشام، ثم بلاد فارس، ثم البحرين، وعُمان، ثم شرق إفريقيا، بعدها تجوَّل في آسيا الصغرى والقرم وحوض الفولجا الأدنى - الجنوبي - ودخلالقسطنطينية ثم توجَّه شرقًا إلى خوارزم وبخارى وكردستان وأفغانستان والهند - حيث مكث ثماني سنوات، ثم زار جزر المالديف وبعض جزر الهند الشرقية والصين، وكان قد بدأ تلك الرحلة سنة (1325م) ليعود إلى طنجة سنة (1347م)، واتصل ابن بطوطة خلال رحلاته تلك بالكثير من الملوك والأمراء، فمدحهم - وكان ينظم الشعر - واستعان بِهِبَاتِهم على أسفاره.
بعد ذلك قام برحلتين قصيرتين: الأولى في ربوع الأندلس سنة (1350م)، والثانية في السودان ووسط إفريقيا سنة (1352م)؛ ليعود ويستقرّ في فاس سنة 1354م؛ ليملي فيها وصف رحلته التي سماها: «تحفة النظار وغرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، والمشهور لدينا باسم «رحلة ابن بطوطة»، وقد أملاها على ابن جُزي الكاتب ببلاط السلطان المغربي أبي عفان المريني، وذلك سنة (1356م).
وقد قُدِّرت المسافة التي قطعها ابن بطوطة في رحلته بنحو 120 ألف كيلو متر... ولنا أن نتخيل أي رحلة تلك وأي رحَّالة كان ابن بطوطة؛ إذا تصورنا وسائل النقل التي كانت متوفرة في تلك الحقبة من الزمن!
ويمكننا تقسيم رحلات ابن بطوطة كما جاءت في كتابه «تحفة النظار» إلى ثلاث رحلات:
الرحلة الأولى: تقع في الفترة الزمنية من سنة 1334م إلى سنة 1349م، زار فيها ابن بطوطة شمال إفريقيا، ومصر، والشرق الأوسط، وشرق إفريقيا، وجزيرة العرب، واليمن، ثم قصد القسطنطينية، وبعد أن أقام بها فترة من الزمن عاد إلى الهند، ثم سافر مع أعضاء البعثة الدبلوماسية التي أرسلها سلطان الهند محمد شاة، فزار جزائر الهند ومالديف وسيلان والصين.
الرحلة الثانية: في الفترة 1351م إلى 1652م، وتجوَّل فيها في بلاد الأندلس.
الرحلة الثالثة: في الفترة من 1352م إلى 1354م وتجوَّل فيها في السودان وغرب إفريقيا.
وتستمد رحلات ابن بطوطة قيمتها من تميُّز صاحبها عن سواه من الرحالة السابقين في التفوق في الدرس؛ إذ لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ألَمَّ بها وبسطها بتفصيل، وإذا كان ابن بطوطة سابع سبعة من أعلام الرحالة العرب (المقدسي والإدريسي وابن جبير والسمعاني وياقوت والبيروني)، إلا أنه أكثرهم تميّزًا، وأشدهم عناية بالحديث عن الحالة الاجتماعية للمجتمع أو البلد الذي يراه.
قال ابن جزي –تلميذ ابن بطوطة وكاتب كتابه-: لا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال العصر، ومَنْ قال: رحال هذه الملة لم يبعد، ولم يجعل بلاد الدنيا للرحلة. واتخذ حضرة فاس مقرًّا ومستوطنًا بعد طول جولانه.
مات ابن بطوطة في مراكش سنة (779هـ= 1377م)، وتُلَقِّبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالة المسلمين.
ابن البناء المراكشي (654-721هـ= 1256-1321م)
هو الشيخ المحقق أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن البناء الأزدي المراكشي، سُمِّيَ بـ«ابن البناء»؛ لأن أباه كان يعمل بنَّاءً؛ وُلِدَ في مراكش سنة (654هـ=1256م)، من مؤلفاته: حاشية على الكشاف، ومنتهى السلوك (في علم الأصول)، وكليات في المنطق وشرحها، وكليات (في العربية)، والمقالات (في الحساب)، واللوازم العقلية في مدارك العلوم، والروض المريع في صناعة البديع، وعنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل، ورسالة في المكاييل، وجزء في المساحات، ومقالة في علم الإسطرلاب، وقانون (في معرفة الأوقات بالحساب).
ومن كتبه -أيضًا- «تلخيص أعمال الحساب»، وقد نظمه ابن غازي، وشرح نظمه، وطُبع النظم وشرحه بفاس، ويُعدُّ هذا الكتاب المرجع الأساسي في علم الحساب في أوربا، حتى مطلع القرن العاشر الهجري (السادس عشر ميلادي) واهتم علماء الغرب بتحقيقه وترجمته إلى لغات مختلفة, حتى أوائل القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر ميلادي)، ويؤكد جورج سارتون في كتابه «المدخل إلى تاريخ العلوم» أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء المراكشي يحتوي على نظريات حسابيه وجبريه مفيده؛ إذ أوضح العويص منها إيضاحًا لم يسبقه إليه أحد؛ لذا يرى سارتون أنه يُعتبر من أحسن الكتب التي ظهرت في علم الحساب. أمَّا ديفيد يوجين سمث فقد ذكر في كتابه تاريخ الرياضيات أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء يشتمل على بحوث كثيرة في الكسور ونظريات لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها, وقانون الخطأين لحلِّ المعادلة من الدرجة الأولى.
ويذكر فرانسيس كاجوري في كتابه «المقدمة في الرياضيات» أن ابن البناء المراكشي قدَّم خدمة عظيمة بإيجاده الطرق الرياضية البحتة لإيجاد القيم التقريبية لجذور الأعداد الصم. أما العلامة ابن خلدون فيقول عن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء: «وهو مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني, وهو كتاب جدير بذلك، وإنما جاءه الاستغلاق من طريق البرهان ببيان علوم التعاليم؛ لأن مسائلها وأعمالها واضحة كلها, وإذا قصد شرحها, إنما هو إعطاء العلل في تلك الأعمال, وفي ذلك من العسر على الفهم ما لا يوجد في أعمال المسائل.
وأضاف عمر رضا كحالة في كتابه «العلوم البحتة في العصور الإسلامية» قائلاً: «كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء يحتوي على بحوث مختلفة، تمكن ابن البناء من جعلها -على الرغم من صعوبة بعضها- قريبة المتناول والمأخذ, وقد أوضح النظريات العويصة والقواعد المستعصية إيضاحًا لم يُسبق إليه فلا تجد فيها التواء أو تعقيدًا.
عاش ابن البنَّاء 67 سنة، وتوفي في مراكش سنة (721هـ=1321م).

[1] قسنطينة: مدينة شرق الجزائر.
[2] الزركلي: الأعلام 7/24.
[3] يبحث هذا الكتاب في 560 نوعًا من النباتات، واعتمد عليه ابن البيطار، ولولا إنجاز الإدريسي العظيم في الجغرافي لعُدَّ من أهم علماء النبات.
[4] انظر في تفاصيل حياته، مقدمة التحقيق الذي كتبه الأستاذ محمد عبد الله عنان لكتاب «الإحاطة في أخبار غرناطة».

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
طريق المسلم © 2012 | الى الأعلى | تعريب وتطوير |